يقول صاحب المعتبر ويميل إليه الرازي إن كلام الله يرجع إِلَى ما يحدثه من علمه وإرادته القائم بذاته.
وابن ملكا هو صاحب كتاب المعتبر ويسمونه أبو البركات ابن ملكا كَانَ يهودياً ثُمَّ أسلم ويقول شَيْخ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ إن كل إنسان من هَؤُلاءِ الفلاسفة يتأثر بالبيئة التي نشأ فيها فإن ابن رشد نشأ بين الأشعرية الكُلابية ومن هنا اشتد عليهم.
فإذا قرأتم كتب ابن رشد تجدون أنه اشتد عَلَى الأشعرية جداً، وابن سينا نشأ في بيئة كلامية اعتزالية فاختلفت وجهته، وأما أبو البركات ابن ملكا صاحب المعتبر، فإنه نشأ في بغداد، وفي بغداد كانت قوة أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ بعد أن أظهر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الإمام أَحْمد بن حَنْبَل وأيده بالحق، ودحر المعتزلة والمبتدعة وقهرهم وأذلهم، فبقيت في بغداد قوة عظيمة لـأهل السنة إِلَى القرن التاسع الذين يسمونهم أحياناً الحنابلة، ويقولون في كتب التاريخ مثل الكامل لـ ابن الأثير -ومؤلفه متشيع.
ولذلك يقول: فتنة الحنابلة- يسميها فتنة- ويقول: في سنة كذا هجم الحنابلة عَلَى بغداد أو عَلَى الشوارع، فضربوا القيان، وكسروا القنان والخمور وأراقوها، وكسروا آلات اللهو وفعلوا وفعلوا -يتكلم عليهم- فبقيت لهم قوةٌ وبَقي لهم وجود، وابن ملكا نشأته في بغداد جعلته أقرب المتفلسفة إلى الحق، فهو يثبت من الصفات كثيراً مما ينفيه ابن رشد وابن سينا، فكتاب ابن ملكا موجود مطبوع طباعة هندية ولكنه نادر، والقليل من يهتم بمثل هذه الأمور أو يقرؤها.
وأما الرازي فقد يطول الحديث عنه، وهو من أكبر أئمة الأشعرية بل هو إمام المتأخرين؛ لأن الأشعرية الكلابية لهم ثلاثة أئمة أبو الحسن الأشعري وهو أول من أسس المذهب قبل أن يرجع إِلَى السنة، ثُمَّ أبو بكر الباقلاني وهو من تلاميذ تلاميذه، ثُمَّ الفخر الرازي.
وأحياناً يقول شَيْخ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ وغيره من العلماء: قال الفخر، وكذلك الذهبي في الميزان في حرف الفاء يقول مثلاً ترجمة الفخر، هذا الفخر هو فخر الدين الرازي.
وأحياناً يقولون: هذا مذهب ابن الخطيب؟ وهو الفخر الرازي وهذه قد تخفى عَلَى البعض، فيقال هذا مذهب ابن الخطيب أو قال ابن الخطيب. فقد كَانَ أبوه خطيب الري فسمي ابنه ابن الخطيب، هذا مما ينبغي أن نعرفه عن الرازي.
ويعتبر الفخر الرازي متمكناً في العقليات والجدليات، كما يلاحظ في كتابه التفسير الكبير، ولكنه كَانَ مرتكباً لأخطاء كبرى في الأصول التي بنى عليها مذهبه، ومن أخطر الأصول التي جَاءَ بها الرازي ونقلها واتبعها واتخذها قدوة وهدى وإماماً من بعده: القول بأنه إذا تعارض العقل والنقل فإننا نقدم العقل.
ولهذا فإن شَيْخ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ حينما ألف كتابه الكبير العظيم المشهور درء تعارض العقل والنقل أو موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول رد عَلَى هذا المبدأ، وعلى هذا القانون، وقد قال به قبل الرازي أناس، ولكن الرازي هو أكثر من أشهر وأظهر هذا القانون، وعليه بنى عضد الدين الإيجي كتابه المواقف، ثُمَّ بقي أصلاً من أصول القوم وهو من أخبث الأصول التي هدم بها الكتاب والسنة.
وكتب الرازي كتاباً آخر هو أكبر وأقوى كتاب في الشبهات في نفي صفات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو كتاب أساس التقديس.
وهو الذي نقضه شَيْخ الإِسْلامِ في كتابه نقض التأسيس، وهو الكتاب المعروف المطبوع وإن كَانَ المطبوع منه ما هو إلا جزء منه، وقد كَانَ الدكتور مُحَمَّد رشاد سالم رحمه الله تعالى وهو قد توفي منذ حوالي أسبوعين كما بلغنا يعمل في تحقيق هذا الكتاب، فيكون آخر ما حققه الدكتور مُحَمَّد رشاد سالم رَحِمَهُ اللَّهُ هو كتاب نقض التأسيس، ونسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يكون قد أكمله ليخرج، لأن الموجود الآن ليس بكامل فشَيْخ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ لما أراد أن يرد عَلَى شبهات منكري الصفات، رد ونقض أقوى كتاب جمعوه وألفوه كما يشهد لذلك ترجمة الرازي في كتاب طبقات الشافعية
لـابن السبكي، حيث جعله أعظم الأئمة وأثنى عليه بمدح عظيم.